جزء من كتاب نظرة في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام للدكتور عبدالرحمن المطرودي
القصد من خصائص الإرهاب المظاهر والملامح والعلامات المادية التي يعرف بها الإرهاب ، وتميز الأعمال التي يتصف بها الإرهابيون.
ومن أهم تلك الخصائص ما يأتي : –
1- قصد أشخاص معينين أو منشأة معينة بعمل إرهابي يخلق حالة شديدة من الرعب والفزع العام ، بقصد شل حركة الأشخاص المستهدفـين ، وإرباكهم بطريقة تخلخل تصرفاتهم ، والقصد من ذلك توجيه رسالة إلى المجتمع المقصود بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وقد يكون موجها إلى جزء من السكان أو طبقة ، أو فئة اجتماعية معينة ، أو إلى حزب سياسي. وعلى أي حال ، فالمقصود من الإرهاب بلوغ أهداف ترومها الحركة الإرهابية.
2- استخدام الوسائل التي تؤدي بطبيعتها إلى إحداث حال من الدمار الشامل أو القتل البشع حتى يتغلغل الرعب في نفوس المقصودين. ومن أمثلة صور الإرهاب في العصر الحديث المذابح الجماعية ، وخطف الطائرات والأشخاص ، واحتجاز الرهائن ، بل واللجوء إلى الأعمال الانتحارية وغيرها من الوسائل العنيفة التي يعد استخدامها عند الإرهابيين غاية ووسيلة في الوقت نفسه ، فمن غير المتصور لديهم إحداث الأثر النفسي الذي يقود إلى الوصول إلى هدف الإرهاب دون اللجوء إلى وسائل عنيفة.
3- لا يعد العنف في النشاط الإرهابي عاملا رئيسا في إحداث التأثير إلا إذا اقترن بالاستمرار والتنظيم من خلال عمليات إرهابية تؤدي إلى خلق حالة الرعب ، وإلا فإن العديد من الجرائم تحمل قدرا من البشاعة قد يفوق العديد من الأعمال الإرهابية ، ومع ذلك فإنها لا تخلق حالة الرعب والخوف التي تحدثها العمليات الإرهابية ، وكذلك فإن بعض الجرائم الجنائية الفردية قد تكون أشد فظاعة ، ولكنها لا تشكل التهديد نفسه الذي تشكله العمليات الإرهابية ؛ لأنها فردية أو ذات هدف شخصي قريب ، ولا تتمثل فيها خاصية الاستمرار.
4- استهداف المصالح والمرافق العامة التي يمكن أن يتعدى أثرها وينتشر على أكبر رقعة مكانية أو بشرية ممكنة.
5- ومن خصائص الإرهاب أيضا : الخروج على إجماع المجتمع ، " وهو ما يعبر عنه بالأغلبية " ، وبخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية ، حيث تجنح الجـماعات الإرهابية إلى مخالفة ما عليه إجماع عموم الناس من أهل الحل والعقد وغيرهم من العلماء وأهل المكانة ؛ مثل بعض حالات الغلو والتشدد والتطرف في الرأي ، الذي قد يجبر صاحبه على تكفير أعضاء المجتمع أو قيادته استنادا إلى أدلة مغلوطة وتأويلات خاطئة ، أو تفسيرات مغرضة ليس لها في الدين الصحيح أي دليل أو سند ، وليس لها من وسطية الإسلام وتشريعاته السمحة القويمة من القرآن والسنة أي حظ أو نصيب ، وربما تجرأ بعضهم على الفتيا بجواز القتل لأعضاء الدولة ورجال الأمن والقيادات الاجتماعية.
6- تركـيز الفكر الإرهابي على النيل من الحكام والولاة والعلمـاء والوزراء وأهل الحل والعقد ، وغمطهم حقهم بإغفـال محاسنهم وتجلية ما يقع منهم من خطأ وتضخيمه ، بل واستهدافهم في المخالفة ؛ " لأن مخالفة المجتمع لا تكسبهم الظفر بتعاطف أعضائه ". وهذه الخاصية أكثر ما تظهر في الحركات الإرهابية في المجتمعات التي تسمى بالنامية أو العالم الثالث ، وفي بعض الدول الإسلامية ، مع أن الإسلام حذر تحذيرا شديدا من الوقوع في هذا المزلق الخطير ، الذي فيه مفسدة كبيرة للمجتمع المسلم. وقد أمر الله سبحانه وتعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي أمر المسلمين ، فقال :
(الأنفال : 46) ، وقال تعالى :
(النساء : 59). وقد أمرنا الله ورسوله بالحرص على تماسك المجتمع ووحدة صف المسلمين ، وعدم الخروج على ما يتفق عليه أهل الحل والعقد في المجتمع بحال من الأحوال ، قال تعالى :
(آل عمران : 103) ، وقال سبحانه :
(الأحزاب : 36) ، ومن السنة قوله : { اسمعوا وأطيعوا ، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة } (صحيح البخاري ) وقال : { يد الله مع الجماعة ، ومن شذ شذ في النار } (سنن الترمذي ) وقال : { إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية } (مستدرك الحاكم ). وذلك لما يترتب على الخروج من فساد عظيم ، ولو كان هناك فساد ، فيتحمل الفساد الأدنى لدفع الفساد الأعظم ، تطبيقا للقاعدة الشرعية التي مؤداها : إذا تعارضت مفسدتان ، روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفهما.
عبدالرحمن المطرودي