تعريف العمليات الانتحارية وانواعها

لقاء مؤسسة اسرة سحر مع السيدة بتول سلطاني العضو المنفصلة عن قيادة مجلس منظمة خلق حول العمليات الانتحارية

خلال السنتين الماضيتين كانت السيدة سلطاني (ذات اعلى رتبة ودرجة تنظيمية) من بين المنفصلين عن منظمة خلق وتحتل مكانة في اعلى نقطة تنظيمية والقريبة جدا من مركز السلطة في المنظمة ولذا فان ما تدلي به من معلومات هو ذا اهمية خاصة مقارنة مع معلومات سائر الاعضاء المنفصلين عن المنظمة. تجدر الاشارة هنا ان حديثها يبين امورا غير متوقعة تذكر لاول مرة من قبل عضو في مجلس القيادة ، المهم في الموضوع ( العمليات الانتحارية ) هو جانب الكشف عن مثل هذا النهج من قبل المنظمة وسنتطرق عن تعريف ، انواع ، اوليات ومصاديق هذه العمليات في علاقات وسيرة المنظمة ثم نتعرض محللين ظاهرة الانتحار ( حرقا ) بعنوان احدث اساليب العمليات الانتحارية ، ان ما ترويه السيدة سلطاني عن هذه الظاهرة يفوق بكثير مقارنة مع ما عرفناه فنظرتها للموضوع جديدة ومختلفة.

الحلقة الاولى؛ تعريف العمليات الانتحارية وانواعها
اسرة سحر: ابتداءا اقدم توضيحا حول الموضوع، قد تكون احدى الظواهر التي فرضت على الحركات الاجتماعية المسلحة في الوقت المعاصر والتي تترتب عليها عواقب لايمكن تفاديها هي ظاهرة العمليات الانتحارية في اواسط الحركات المسلحة طبعا وكما تعلمين هي ليست منحصرة بنا شأنها شأن الحركة المسلحة ذاتها المستوردة التي مزجت بهذه الستراتيجية ودخلتا بلدنا سوية. هنا انوه الى ان الدافع الرئيسي لتعرضنا لهذا الموضوع هو احداث 17 حزيران والانتحار ( حرقا ) عند اعتقال مريم رجوي. وقد فضلت قبل التطرق حول هذه الاحداث البحث في جذور هذه الظاهرة ( العمليات الانتحارية ) ، لنمر على اسباب اللجوء لهذا الاسلوب ثم نصل الى هذه الاحداث وندخل في تفاصيلها ، اعتقد اني قد بينت غايتي وما اقصده ، الان اطلب منك البدء بالحديث عن هذه الظاهرة اي العمليات الانتحارية بتقديم تعريف لها وبيان انواعها وماهي ظروف تنفيذها والعوامل المتعلقة بها واي شيء اخر يمكنه المساعدة بتقديم توضيح اكثر عنها.

السيدة بتول سلطاني: بصورة عامة يجب تقديم تعريف شامل من وجهة النظر  التشكيلاتية حول المصطلح اي ( العمليات الانتحارية ) وما هو الفارق بين هذه العمليات وسائر الاعمال المسلحة الاخرى؟

لكل عملية وبشكل طبيعي تقدر نسبة مئوية لاحتمال قتل منفذيها فيمكن تسميتها بعملية انتحارية لكننا نعلم جيدا ان هذه العمليات في ذاتها تختلف تماما عما هو متداول في العرف السياسي والمقاومة الشعبية. الركن الاساسي في هذه العمليات هو وجوب التضحية من قبل الفرد بنفسه بغض النظر عما هي النتيجة المتوخاة ، الا انه وفي سائر العمليات الاخرى تقدر نسبا لنجاة الفرد او موته ولذلك تعرف هذه العمليات بشكل خاص بصفتها الانتحارية. ترتكز هذه العمليات بشكل حاد على حافزين او محورين احدهما الجانب الدفاعي والاخر الجانب الهجومي. هنا اذكر اني قد سمعت ان هناك من يدعي ان منظمة خلق هي التي ادخلت العمليات الانتحارية لاول مرة وزجتها ضمن الكفاح المسلح الى ايران اي انهم يدعون ان المنظمة هي التي ابتدعت هذه العمليات في ايران ، ما مدى صحت هذا الادعاء ليس مهما الا انني اعتقد ان المنظمة وعلى اقل تقدير قد ابتكرت نوعا ثالثا ضمن هذه العمليات في ايران والتي يمكن مشاهدتها في العمليات الانتحارية ( الانتحار حرقا ) في احداث 17 حزيران والتي سأوضحها في حينها ، لننظر الان ما الفارق في ذات الامر فيما بينهما ومن اين يأتي هذا الفارق ( ان هذا التقسيم هو نتائج خرجت بها شخصيا وقد لا تحصلون عليها في اي مصدر ، وان وجد خلل فيها فهو على كل حال يتعلق باستنتاجي ) الان اتطرق لتوضيح هذين النموذجين ، ذكرت ان العمليات لها وجهتين دفاعية واخرى هجومية.

النوع الاول؛ العمليات الانتحارية الدفاعية:

الوجه الدفاعي لهذه العمليات يعود الى عامل المحافظة على اسرار ومعلومات المنظمة في ظروف يكون فيها العنصر المكلف بمهمة محاصرا ومن الممكن ان يلقى القبض عليه من قبل قوى الخصم واحتمال الاستفادة مما يحمل من المعلومات المتراكمة في ذهنه في مثل هذه الظروف يلزم عرف هذه التشكيلات والمنظمات واستراتيجية الكفاح العنصر بالانتحار حيث انه هنا في وضعية تحتم عليه ومن اجل عدم افشاء معلومات واسرار تشكيلاته بالتضحية بحياته لتكون درعا واقيا عن المعلومات والاسرار وبهذه التضحية يغلق ويلغي طريق نقطة اتصال المنظمة مع الخصم والتي هي في حالة الافشاء وفي تاريخ الكفاح خلال الخمسين سنة الماضية شهدنا هذا النوع في جميع تشكيلات حرب العصابات الماركسية منها والدينية ( الجهادية طبعا ) وخير مثال على ذلك هو احمد رضائي فعندما حوصر من قبل رجال الشرطة والسافاك ومن اجل الا يقع بيد السافاك استخدم رمانة يدوية فقتل نفسه اضافة الى قتل عدد من رجال السافاك ، كما يمكن ان نشير الى اسماء معروفة اخرى منها محمود شامخي واخرين ذاكرتي لا تساعدني على ذكرهم الا ان تاريخ المنظمات والتشكيلات يضم وعلى اقل تقدير مورد او اكثر من هذه العمليات  اذن في هذه الحالة فان العنصر يدافع عن مصالح تشكيلاته ( وباي شكل ) مقابل اي جهاز او نظام يريد اقتلاع جذور كفاحه وحركته.

في مثل هذه التشكيلات هناك خط احمر لا يمكن تجاوزه بخصوص مثل هذه العمليات الانتحارية اي انه لا يمكن لاي فرد في التشكيلات وفي اي رتبة تنظيمية ان يكون اختياره الاول الانتحار عند مواجهة الخصم ، ومعنى هذا الخط الاحمر هو مخصوص لافراد معينيين وضمن ظروف خاصة تم تعيينها مسبقا فمثال ذلك هو ان القاء القبض على العنصر قد يسبب مصاعب للمنظمة او قد توجه ضربة قوية للمنظمة لا يمكن تفاديها حيث تكون بعهدته مسؤولية مجموعة مهمة من افراد المنظمة او معلومات اساسية و… الخ ، الا اننا نرى ان هذه الاسباب قد غابت عن الاذهان في السنوات التي راحت المنظمة تقارع الجمهورية الاسلامية فيها بشكل كلي وبصورة متعمدة ، فلم يعد لذلك الخط الاحمر وجود والذي يمثل مسألة وجود المنظمة او الضربة الموجهة للمنظمة التي لا يمكن تفاديها بسبب افشاء المعلومات اذن ما عليك الا ان تنفذ هذه العمليات اي ( الانتحار ). إن قارنت بين حجم وكيفية عناصر المنظمة في عهد الشاه عما هي عليها في هذا الزمان فمن الطبيعي يجب ان يكون حجم ( عدد ) هذا النوع من العمليات في عهد الشاه اكثر مما هو عليه حاليا وذلك لما كانت عليه تلك العناصر من كيفية وما تحمل من معلومات ولاسباب كثيرة اخرى فعند القاء القبض عليهم سبب توجيه ضربة موجعة اكثر مما تتلقاها المنظمة في الوقت الحاضر لكننا نرى عدد تلك العمليات في ذلك الوقت غير قابل للمقارنة مع ما عليه في الوقت الحاضر رغم تفوق عناصرها انذاك عن عناصرها الحاليين من حيث الكيفية بل لا يمكن المقارنة فيما بينهما وصار الخط الاحمر للانتحار (وخصوصا في المرحلة التي اخذت المنظمة بارسال مجموعاتها العملياتية الى ايران من الاراضي العراقية) يعني مجرد احساس العنصر بالخطر او احتمال القاء القبض عليه ، هذا في وقت لم يكن فيه اي وجود لتشكيلات المنظمة داخل البلد ، روؤساء وقيادة المنظمة جميعهم خارج ايران ، وجود اي منهم داخل ايران ليس له اي موضوعية ومشروعية اساسا من وجهة نظر المنظمة الا ان الاعتقال يصبح هو الخط الاحمر وعلى العنصر ان يستخدم قرص السيانيد مجرد شعوره بخطر القاء القبض عليه ، وإن قارنا هذا مع المرحلة التي سبقت الثورة والذي القي القبض على اكثر من 90 % من اعضاء المنظمة من رأسها وحتى مستوى السطح والتي كانت هناك فرصة لكثير منهم باستخدام اقراص السيانيد للانتحار سنلاحظ مدى الفارق والتطرق لاسبابه يحتاج الى بحث منفصل ، لقد كانت لديهم فرصة ذلك داخل السجن ايضا الا انهم لم يفعلوا ذلك. على كل حال ان لذلك بحوث تنظيمية مفصلة وهي ثمرة تجارب وخلاصة كفاح ، اخذت المنظمة التركيز عليها في التشكيلات وراحت تطرح تبريراته التشكيلاتية وحتى الايدلوجية بدأ الافراد بقبولها بصورة كاملة. هذه التجارب وكما قلت جاءت من خارج ايران حيث اكتسابهم لتجارب حرب العصابات وخصوصا حرب المدن ولسنوات طويلة ودونت كقوانين للعمل النضالي ووضعوها تحت تصرف سائر الحركات الاخرى ذكرت ذلك لمعرفة جذور هذه الامور بشكل افضل ، وكمثال اخر بخصوص الخط الاحمر خارج البلد اذكر ان المنظمة كانت تؤكد على ان اعضاء المنظمة في الغرب ممن يمتلكون المعلومات السرية إن وقعوا في شباك الشرطة وشعروا بخطر افشاء المعلومات فما عليهم الا ان ينتحروا ، اريد القول ان الخط الاحمر للانتحار من قبل المنظمة قد اختلف كثيرا عما كان عليه سابقا وفي الحقيقة اصبحت ارواح اعضاء المنظمة رخيصة جدا.

 
النوع الثاني؛ العمليات الانتحارية الهجومية:

هنا لم يعد انتحار العنصر مضطرا بسبب وقوع حادث بل يخطط له مسبقا وهذا النوع له عدة اسباب اولها ان يكون قد خطط له مسبقا على عكس النوع الاول الذي هو ضرورة ظرف غير متوقع ومفاجيء ، السبب الثاني له هدفا معينا خاصا واقول بشكل ادق يقصد منه مهاجمة مصالح الخصم قد تكون هذه المصالح بشرية ، مالية ، امنية ، سياسية وطبعا بدوافع مختلفة قد تكون للانتقام ، اخذ رهائن ، تحذير او هو لسبب تقدير وتحليل معين للمنظمة فيكون هذا العمل جزءا من استراتيجية كفاح المنظمة ، السبب الثالث ان العنصر الانتحاري قد اعلن مسبقا عن استعداده (اي تطوعه ) ويعلم بان ذات هذا العمل هو الذهاب دون عودة وحتى قد تكون هذه العمليات بشكل امر تشكيلاتي ويجب على العنصر اطاعة الامر ، لكن وان كانت بهذا الشكل يعني إن حذفنا مسألة التطوع ووضعنا الواجب التشكيلاتي كآلية بدلا عن التطوع هنا يجب ان يكون لدى العنصر نوعا من الاستعداد الفكري والمعنوي والايدلوجي وان شعرت التشكيلات عدم وجود هذا الاستعداد لدى العنصر فهي ستمتنع عن استخدام هذه الطريقة ( بسبب ما ستفرضه من تكلفة على التشكيلات ) وستختار عنصرا من المتطوعين لهذا العمل. ان العنصر في النوع الاول بالرغم من علمه بانه سيقتل الا ان ذلك يكون عن طريق الصدفة ولذا فيمكنه القيام بالعمل بترديد وشك ، الا انه لا يمتلك الاستعداد المشار اليه في النوع الثاني. وقد تتواجد الاسباب الثلاثة المشار اليها في النوع الثاني بشكل ما لدى النوع الاول ولكن عن طريق الصدفة الا انها ومقارنة بالنوع الثاني التي تكون اسبابه ذاتية ولا يمكن الاستغناء عنها هي في اختلاف عنها بصورة كما ذكرتها ، بخصوص الامثلة من النوع الثاني من هذه العمليات فيمكن التركيز على عمليات المنظمة في الفترة التي تلت الثورة اي مرحلة المواجهة المسلحة فمثلا عمليات اغتيال ائمة الجمعة والتي نفذت جميعها حسب هذا النوع ، او بشكل ملموس في عمليات القاعدة كتفجير الابراج في 11 سبتامبر او تفجير المراكز السياسية والتجارية في الدول الاوربية والتي يقتل فيها المنفذ اضافة الى اناس آخرين وتدمير المراكز الاقتصادية والتي تنفذ من قبل تنظيم القاعدة.

هناك نوع آخر من العمليات الانتحارية والذي يمكن ان يطلق عليه وقائي او للتهديد او للاعتراض او اي شيء ضمن هذا المفهوم ، وهو النوع الذي تفتخر المنظمة بابتكاره ونحن لدينا نماذج من هذا العمل الانتحاري في مراحل واماكن مختلفة فمثلا الاعتراض على الحرب مع فيتنام هناك نماذج من الانتحار ( حرقا ) امام مكتب الامم المتحدة او السفارات الامريكية ، الا ان دافع ونوع هذا الانتحار ( حرقا ) يختلف كثيرا عما يحدث في منظمة خلق بشكل لايمكن مقارنته من حيث ذات الامر واعتقد ان اساس اختيار هذا الاسلوب من قبل المنظمة يعود الى مايحمله الرأي العام من خلفية فكرية عن هذا النوع خلال الحرب مع فيتنام الا ان المسألة هناك هي مسألة ملايين من الابرياء يقتلون ضحايا يوميا نتيجة حرب استعمارية وهي تختلف تماما في ذاتها من الناحية الانسانية والعالمية حيث لم تصل يد اي احد للقانون والمراكز والمنظمات المدنية وكثير من العوامل الاخرى والتي سوف اوضح الفوارق في ذات كل منهما.

إن ركزنا على هذا النوع من اعمال المنظمة وقمنا بدراستها وتحليلها عندها نفهم حقيقة محدوديتها وندرتها ومدى ارتباطها وقربها وتنظيمها مع نوع علاقات المنظمة. في هذا النوع من العمليات يبدو ان الدافع ليس هو كدافع النوع الاول اي وقوع العنصر بيد الخصم ويقدم على الانتحار من اجل حفظ معلومات التشكيلات السرية ولا هي هجومية وتقصد توجيه ضربة للخصم بل ان الدوافع والاهداف التي تم تعيينها مسبقا لهذا النوع تختلف اساسيا في ذاتها عن النوعين المشار اليهما اعلاه. إن اردنا ذكر هدف او دافع لهذا النوع فيجب الرجوع الى النتائج التي خلفتها العمليات من هذا النوع وفي ظروف واوقات مختلفة لنرى نوع هذه النتائج وما قيمتها ، اعتقد ان هذا الاسلوب هو نتيجة ظرف تقابل فيه مجتمع مدني ديمقراطي امام منظمة مسلحة غير ديمقراطية اقصد انتخاب نوع من التعامل الوحشي البدوي المتأخر في ظل ظروف يمنحك القانون الحق ويعطيك امكانية الدفاع وبيان الحق الا انه ليست لديك امكانية وقابلية استغلال هذا الظرف وتعتقد ان الدخول في هذه المعادلات والعلاقات ليس في مصلحتك اساسا لا بل يعود عليك بالضرر  وتسعى بمثل ردود الافعال هذه الى اضطرار مقابلك بالانسحاب ، هنا هذا النوع من العمليات يكون بخدمة مطلب ما ، او من اجل التهديد لمنع اجراء او فعل مدني. إن نظرنا للمكان الذي حدث فيه هذا النوع من العمل الانتحاري اي اوربا وبالتحديد فرنسا وتأملنا في العلاقات الحاكمة آنذاك وللدوافع التي اختبأت وراءها المنظمة عندها نتمكن وعلى اقل تقدير ان نتقبل هذا الادعاء بان هذا النموذج الثالث ومثلما ذكرت في بداية هذا الجزء انه حاصل ونتيجة ظروف مرت بها المنظمة ونظرا لنوع علاقاتها الداخلية ذات الايدلوجية المسلحة وعوامل اخرى فلا يمكن من العمل بهذا الاسلوب ابدا ولذلك انا اقول ان هذا النوع قد ابتدعته المنظمة.

لذا اننا لا نجد اي اثر لنموذج من هذا القبيل في اية منظمة وتشكيلات سياسية ومسلحة في العالم ، لا تقارنوا بين النموذج الذي ذكرته بخصوص حرب فيتنام لان ذلك هو عمل شخصي بحت نوعه اعتراض على قتل الآلاف من البشر تعرضوا لتجاوز عسكري. كان قضية وليس منهج واسلوب متجذر وعقيدة. نتيجة عدم موفقية مساعي مدنية غير عسكرية وليس كرد فعل لعمل مدني ورائج ويمكن متابعته قانونيا وفوارق كثيرة اخرى ، لذلك نقول يجب ان يسجل هذا النوع باسم المنظمة ولا نذهب للبحث عن شبيه له في مكان اخر.

  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى